في مزرعة خضراوات صغيرة ببلدة «لال لو» في مقاطعة كاجايان شمال الفلبين، يبدأ إدواردو باميتان يومَه قبل الفجر. منذ أبريل الماضي يحاول المزارع إنهاء جميع أعماله بين الساعة الرابعة والعاشرة صباحاً، قبل أن تصبح الشمس والرطوبة في وقت متأخر من الصباح «لا تحتمل». يقول بميتان: «يجب أن أستيقظ مبكراً كل يوم. فمن غير الآمن العمل في ظل الحرارة الشديدة».

وتستمر موجاتُ الحر التي تحطم الرقمَ القياسي في السيطرة على جزء كبير من جنوب آسيا. في 12 مايو، سجلت الفلبين 122 درجة فهرنهايت (ما تكون عليه درجة الحرارة مع الرطوبة) في مدينة ليجازبي. وتشهد تايلاند الآن أسبوعَها التاسع من الحر الشديد، بينما حطمت فيتنام الرقم القياسي لدرجات الحرارة الوطنية للمرة الثانية هذا الشهر عندما سجلت منطقة «تونج دونج» الشمالية حاجز 111.6 فهرنهايت.

وفي الأسبوع الماضي فقط، حذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية من أن تغير المناخ، بفعل الإنسان وظاهرة النينيو (حدث مناخي يؤدي إلى رياح موسمية أكثر جفافاً) التي تلوح في الأفق، من المرجح أن «يدفع درجات الحرارة العالمية إلى منطقة مجهولة، مع تداعيات بعيدة المدى على الصحة والأمن الغذائي وإدارة المياه والبيئة». وفي حين أن الابتكار والخطط المناخية الوطنية سيمثلان أهميةً في التخفيف من التكاليف طويلة الأجل للحرارة الشديدة، فإن المرونةَ والحلول المنطقية تساعد في الحفاظ على صمود المجتمعات على المدى القصير.

ومن تكثيف أيام المدرسة إلى تغيير ساعات العمل، يقدم الناس في جميع أنحاء آسيا تضحيات من أجل السلامة. وكما لاحظ بعض الخبراء، فإن المرونة أمر متأصل في المنطقة. تقول رونيتا باردهان، الأستاذة المشاركة في البيئة العمرانية المستدامة بجامعة كامبريدج، إن الآسيويين «يتكيفون مع الحرارة منذ فترة طويلة جداً». وتضيف: «لدينا آليات ثقافية قائمة»، من الملابس التي يرتديها الناس إلى الأطعمة التي يأكلونها في الصيف إلى كيفية بناء المنازل. وأوضحت باردهان أن مفتاح المرونة المناخية هو الحفاظ على تلك المعرفة الثقافية ودمجها مع التكنولوجيا الحديثة.

«لا يمكن أن تكون مجرد نقل لما تفعله دولة في شمال الكرة الأرضية من أجل مكافحة الحرارة»، كما تقول. وفي مايو المنصرم، قامت المدارس الابتدائية العامة في مدينة كويزون الفلبينية بتقصير ساعات الدراسة للسماح للطلاب والمعلمين بتجنب درجات الحرارة الخطرة.

ويذهب بعض الأطفال إلى المدرسة من الساعة 6 صباحاً حتى 10:30 صباحاً، والبعض الآخر من الساعة 2 ظهراً حتى 6:30 مساءً. وتتماشى هذه المبادرة مع أمر وزارة التعليم الذي يسمح للمدارس العامة بتغيير أساليب التدريس، بما في ذلك اللجوء إلى التعلم عن بُعد في حالة الكوارث الطبيعية وانقطاع التيار الكهربائي والكوارث الأخرى. وتقول جوي بيلمونتي، عمدة مدينة كويزون: «ستكون أولويتنا القصوى دائماً هي رفاهية أطفالنا». بيد أن هناك سلبيات.

ومن ذلك ما أشارت إليه ريناليزا ألفاريز، وهي والدة لطالبة في الصف الرابع كانت قد حضرت الفصول الصباحية الشهر الماضي، حيث قالت إنها قلقة من أن ابنتها «ستتعلم فقط نصف الدروس» في وقت أقصر. ومع ذلك، فهي توافق على أنه «ينبغي إجراء تعديلات لضمان حماية الأطفال».

وفي سييم ريب بكمبوديا، حيث سجلت درجات الحرارة ثلاثة أرقام بشكل منتظم خلال الشهر الماضي، قرر عامل الإغاثة الإنسانية جوزيف جوش أجيرو تمديد ساعات العمل بدلاً من تقليصها. يقول أجيرو الذي يقود دراجة نارية إلى العمل، إنه يغادر المنزل في الصباح الباكر، «عندما لا تزال الشمس تلمس الأفق»، ويغادر المكتب «عندما تتحول السماء إلى اللون البرتقالي».

ويضيف: «ميزة قضاء ساعات طويلة في المكتب هي أنه يمكنني من إنهاء العديد من المهام». وفي الهند، تكافح العديد من الولايات للتعامل مع موجات الحرارة في وقت أبكر من المتوسط، حيث خسر عدد كبير من القوى العاملة غير الرسمية الضخمة في البلاد أجورهم عندما كان الجو حاراً جداً. وفي الشهر الماضي، توفي 13 شخصاً بضربة شمس وتم نقل العديد إلى المستشفى خلال حدث سياسي في الهواء الطلق في مومباي.

تقول أليشا فاسوديف الخبيرة الجغرافية المحلية، والتي كتبت عن العلاقة بين الحرارة في المناطق الحضرية وتقلص المساحات الخضراء: «المجتمعات الفقيرة والضعيفة في الهند هي الأكثر تضرراً من هذه الأحداث المناخية القاسية.

إذا أردنا سلامةَ الناس، فعلى الحكومات والدول أن تضع استراتيجيات إنمائيةً فعالة». وفي الواقع، يتفق الخبراء على أنه لا يوجد تعديل في نمط الحياة يمكن أن يحل محل التنمية المستدامة. وقد ربط الباحثون هذه الأحداث وغيرها من الأحداث شديدة الحرارة في جميع أنحاء العالم بالاحترار العالمي الذي هو من صنع الإنسان، خاصة حرق الوقود الأحفوري. ويعد تقصير أيام الدراسة والبقاء في المنزل خلال ساعات الذروة حلولاً سطحية، غالباً ما تكون لها تكاليفها المخفية.

تقول لورديس تيبيج، مستشار علوم المناخ في معهد المناخ والمدن المستدامة ومقره الفلبين، إن موجات الحرارة الشديدة الأخيرة تؤكد «أهمية دمج تغير المناخ والمرونة في التخطيط الإنمائي طويل الأجل». وتضيف: «إن ضمان توافر البنى التحتية والخدمات الذكية مناخياً في المدارس وأماكن العمل يمكن أن يساعد الطلابَ والعاملينَ على التركيز على مهامهم مع تقليل الانزعاج إلى الحد الأدنى».

لكن عندما يتعلق الأمر ببناء إطار عمل للاستجابة لموجات الحرارة غير المسبوقة، تشير باردهان، الأستاذ في جامعة كامبريدج، إلى أن البلدان بحاجة إلى تحقيق توازن بين التخطيط الوطني وحسن التقدير المحلي. وتقول إنه في حالة الهند، يتعين على الحكومة «تطويرَ خطط عمل تتعلق بالحرارة وتسمح للمجتمعات بإنشاء استجابات محلية خاصة بها لمكافحة الحرارة الشديدة».

وتعد الزراعة هي القطاع الذي يتأثر بارتفاع درجات الحرارة. ومن المتوقع أن تؤثر درجات الحرارة القياسية هذه على سلاسل الغذاء في آسيا بعد فترة طويلة من اندلاع موجة الحر.وقد حدث ذلك من قبل، حيث اضطرت الهند إلى حظر صادرات القمح العام الماضي بعد أن أدت درجات الحرارة المستمرة إلى خفض إنتاج المحصول الأساسي بنسبة تصل إلى 25%.

وحذرت إدارة الأرصاد الجوية الهندية من أن الأمر نفسه قد يحدث هذا العام. وفي الفلبين، دفعت مخاوف مماثلة بشأن جدوى المحاصيل المزارعين إلى إعادة النظر في ما يزرعونه، خاصةً عندما يستعدون لظاهرة النينيو التي تبدأ في يونيو.

 

مارك سالوديس*

*صحفي يغطي قضايا البيئة وحقوق الإنسان

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»